تخطي التنقل

(حوارية أحادية الصوت)

وصايا لولد

-1-

تعال ياولد !.. أراك تبكي!,
هات يدك كي نجول في زواريب المدينة, سأريك ما لم تر، لا تبتئس!.. سنلهو, ونضرب في السراب, ونشرب القهوة!.
رح الآن اشتر لي علبة تبغ!. إيّاك أن تقول لابنك, ذات يوم, اشتر لي علبة تبغ!..
تعال نقتعد في المقهى!..
هات لنا الصحيفة, وافتح على الحروف المتقاطعة, أبعد تلك الكلمة اللعينة عن خانة العهر!.
انظر هناك عين الحارس البللورية!.. أين الفوارق في مشهد الرسم؟!..
اقلب الصفحة، إلى زاوية البريد!..
والآن, اقذف الجريدة في الزّبالة!..
هات الشطرنج, ودعن أدخّن قليلاً.. إياك أن تدخّن يوماً ما, وتقول لابنك اشتر لي علبة تبغ!..
أطلق الحصان في الميمنة!.. اسحبه في الميسرة!.. قدّم الفيل!.. اترك شأن الملك, حرّك الحصان!.. قلت لك, الحصان!.
لا تراجع في الميمنة. احذر الميسرة!.. يخاتل الشيطان من خلفك!..
خذ الجنديّ هناك, حاصر الفيل!..
احذر الشيطان, صار عن يمينك!.. وثب فوق!.. هبط تحت!.. احذره هنا!.. أبعده هناك!.

-2-

يا لك من ولد طائش !..
قلت لك ألف مرة, طلّق الكرة اللعينة قليلاً, وافتح الكتاب والدفتر!.. أما تعتبر كلامي يا ولد؟!.. أرني ركبتك الدامية.. ورأسك المورّم!.. أما زلت تعرج؟!.. زيّن لك الشيطان الأفاعيل!.. تبّاً له.. تبّاً لك!.
ونسيت الذهاب إلى جدّك!, فمن يعطيه الدواء؟!..
هل أريت المعلّم ما كتبت له؟!.. لا تجب فأنت لم تفعل!. كذلك نسيت أن اليوم يوم الجمعة, فلم تحمل الورد إلى المقبرة!.. يا لخيبة الأمّ والجدّة فيك!.. أهكذا؟!.. أهكذا تفعل من بعدي؟!.. يا لخيبتي فيك!.. ماعساي أفعل بك؟!..
أكاد أجنّ من طيشك!.. أكاد أختنق!..
أكاد أنقضّ على الدركيّ حتى آكل لحمه!.. لحمي أكله الهزال، منك ومن الدركيّ!..
دمي ينضب!.. وأنت الراكض وراء الكرة!.. تلعب.. وتلعب، فلا تتعب!.

– 3 –

أيها المخبول!..
ماذا قلت لك؟!.. وما تقول؟!… لا تفتح فمك!.. لا تردّ في وجهي!.. ما زلت لا تجيد حتى تنظيف إستك!.. ولاتعرف أيّ شيء!. تأنف من كلامي، وتأنف من كلام جدّك!.. كأنك أنت جدّه!.. وأنت، أنت.. مازلت لا تفقه ما تسمع, ولا ما ترى!..
نعم.. أنت لا تفهم!.. وإن أرسلتك في شراء قلم, شريت لي علكة, لتدسّها في فمك الواسع الضخم وتجترّ!..
تشاهد التلفاز لساعات وساعات!.. بفم مفتوح, وتجترّ!.. ساعات وساعات!.. سأكسر التلفاز كي تستريح!.. هل يعجبك؟!..
قل لي إذاً, ما يعني الفيلم الذي شاهدت؟!.. طبعاً لا تعرف!. وماذا وراء الإعلان الذي رقموه في عينيك؟!.. طبعاً لا تعرف!.. كالأصمّ الأبكم!.. لا سمع, ولا طاعة!.
هل أخطأت يوم أنجبتك يا ولد؟!.. هل اقترفت جريمةً؟!.. إذاً، تعال حاسبني!.. أكاد أجنّ منك، ومن شكلك!..
كأنك أنت المدير الصفيق أمامي، ساعة النحس!.. وقلبت في وجهك الطاولة!.. هل رأيته في حياتك مرةً يا ولد؟!.. مثله تماماً, خصمان لئيمان!.
أنتما خصمان!.. يا سعدان!..

– 4 –

وهذا المدير الأجرب لا أحبه!.. لا أحبّ وجهه!.. الكاذب المنافق!.

لا أحبّ ربه!..
كلما استدعيت إليه, وجدت يديه تلعبان في هواتف عشرة!.. من واحد لآخر، كلاعب الكشتبان* الغشّاش، على قارعة الرصيف!.. يصرخ في واحدٍ, ويضحك في آخر!.. يئنّ لهذا, ويفحّ لذاك, يخور كالثور!.. يشرّع لك فكّيه كالتمساحٍ، كالمغارة!. وفجأة، يزأر زئير وحشٍٍ كاسر!.. ويرفع سماعة أخرى، ليأخذ راحةً!.. هنا، عليه أن يموء!.. ثم أخرى ليجعر، ويجعر!.. وأنا المنتظر، أنتظر!.. فلا يشفق على سنّي, وكأني استدعيت لحضور مسرحيةٍ فاجرة!.
يخاطب الموظفين كأنهم أغبياء حمقى, أو خدم عبيد!.. وينفث السمّ الزعاف، ويلوي!.. في كلّ اتجاه!.
لا أحبه!.. لا أحبّ وجهه. هل تفهم ما أقول؟!.. دسّ السمّ في جسمي، وأنا أعاني!.. هل تفهم ما أعاني يا ولد؟!, وكم أنا بائس معذب؟!..
اهترأ جلد الكرسيّ تحت إسته ألف مرة, كأنّ منفاخ النار فيه, ولم يغادر. اهترأ جلده!, تجعّد!.. ترهّل!.. ارتسمت عليه شعاب خطوط شمطاء داكنةٍ مزرقّةٍ مقرفةٍ!. رأيته في حمام السوق, يوم زفّ ابنه**. كان يصوي!.. ويصوي!.. ولا نعرف, هل يهلّل, أم يولول؟!.. ولم يغادر!.
انتفخ حتى صار كالبرميل، كالبالون، من اللحم والشحم، لا فرق عنده، لحم الإنسان والحيوان!.. ولم يغادر!.. قال، إذا أحبّني الناس فما ذنبي؟!.. وكأنه يقول، يحبّ الناس المجرمين، واللصوص، ومصّاصي الدماء؟!..

أخيراً ملّ الكرسيّ من تحته، فانكسر, وسقط كي تندقّ عنقه!.
ومازال السمّ في جسمي، يسحق لحمي وعظمي!.. فلا رحمة الله عليه, عليه اللعنة!.

– 5 –

اصعد الحافلة قبلي!.. واقطع بطاقتين!..
أخبر السائق أين نهبط!.
الجوّ خانق افتح النافذة!.. دع عنك غزل الفتاة!.. يا ولد!..
اخفض ركبتيك عن ظهر الكرسيّ.. رتّب ياقة القميص.. اعقد رباط الحذاء.. واثبت، سيضغط السائق المكابح!.
عينيك للأمام!.. هل تلتفت مع كل امرأة تمرّ يا ولد؟!.. وأنا معك؟!. ويحك!.
اترك العلكة، أو أزرعها لك في شعرك!.. لا تنقر الأرض بقدمك!..
كفاك تمعن في اللافتات يا ولد!.. أما أتقنت الكذب والنفاق بعد؟!.. كم مرةً تردّدون الشّعار في المدرسة، كل يوم؟!.. أما يكفي, ألا يكفي، يا ولد؟!..
هيا وصلنا!.. جاهز أنت؟!.. ناد على السائق، حتى يقف!.
والآن, قدني صوب البائع الذي غشّك!.. جاهز أنت للنزال؟!.. أنهض سروالك جيداً, واستعدّ!.

– 6 –

تمهّل!.. لا تقطع الطريق!. ألا ترى الحشر الزاحف ياولد؟!.. لنسمع موسيقى الأبواق اللعينة، ونشمّ رائحة العطر الأسود، ما تجود به مؤخّرات المراكب المهترئة القذرة!.

ها هو سور دمشق المحروسة!.. انظر!.. ماذا بقي منه؟!.. بضع أحجار ٍتتهاوى!. ستهبط فوق رؤوسنا يوماً ما، وننتهي!.

انظر هناك!.. أيها الأرعن!.. ماذا تقول اليافطة؟!.. والصورة من تشبه؟!..هذي صورتك!.

فصرخ الطفل ملء فمه :

لا..ا..ا..ا..ا..!.

انتهى

*( الكشتبان):

اسم أعجميّ , يعني: القبعة المعدنية الصغيرة, توضع في رأس الأصبع حين الخياطة, لتدفع الإبرة في الشيء المخيط. وقد اشتهر بعض المحتالين باللعب في عدد منها على أرصفة الشارع. يخفون تحت واحدة حبة صغيرة، يحركونها بين الأخريات في خفة، لخداع اللاعبين، والرّهان على مكان وجودها، للربح المحتمل!.


**
عادة تقليديّة, مازالت تجري في بعض البلدان, تقضي بأن يدعو العريس وأهله الأصدقاء والأقرباء من الرجال, للاستحمام والعناية بالعريس, في حمّام السوق الشعبي, ليلة الزفاف!.

الكاتب والرسام :
من الجنسية العربية السورية: مواليد: حلب 1957, إجازة في الأدب العربي.
مخطوطات أدبية: في الرواية والقصة القصيرة والشعر والترجمة.
معارض رسم: في حلب 1998، ودمشق: (المركز الثقافي الإسباني)، و(المركز الثقافي الأمريكي). وفي بيروت: (المعرض الدولي للكتاب: جناح منظمة العفو الدولية, الأمنيستي). ومعرض في باريس: 2007.

عمّان،

نص منقح: في 3/11/2008- معدّل 2-6-2010


أضف تعليق